اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 348
اى ما تعيش وتتقوم به وَمع ذلك يَعْلَمُ منشأها ومصدرها في عالم الغيب ويعلم ايضا مُسْتَقَرَّها اى محل قرارها وبقائها في عالم الشهادة ومقدار ثباتها واستقرارها فيها وَيعلم ايضا مُسْتَوْدَعَها ومرجعها في عالم الغيب بعد انقضاء النشأة الاولى وبالجملة كُلٌّ من الأحوال والأطوار والنشأة الطارية عليها بحيث لا يشذ شيء منها مثبت مسطور يعلم تقديره ومحفوظ فِي كِتابٍ مُبِينٍ هو حضرة علمه ولوح قضائه
وَكيف تنكرون ايها المنكرون احاطة علمه وتستخفون منه سبحانه شيأ من مخايلكم وانى يعزب ويغيب عن علمه شيء مع انه سبحانه هُوَ الَّذِي خَلَقَ اى أبدع واظهر السَّماواتِ وَالْأَرْضَ اى العلويات والسفليات اللتين هما بمثابة الآباء والأمهات والفواعل والقوابل لنشأتكم وظهوركم فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ لتحيطوا بالجهات كلها وَقد كانَ عَرْشُهُ اى مجلاه ومحل بروزه وتشعشع تجلياته قبل ظهور هذه المظاهر والمجالى الكائنة مستويا عَلَى الْماءِ اى على الحيوة المحضة الحقيقية والقيومية المطلقة والديمومية المستمرة الثابتة ازلا وابدا الخالية عن مطلق التغيرات والانقلابات المتوهمة من نقوش التعينات العدمية والتشخصات الهيولانية المترتبة على آثار الأسماء والصفات الإلهية وانما أظهرها سبحانه على هذا التمثال وابدعها على هذا المنوال لِيَبْلُوَكُمْ ويختبركم ايها العكوس والاظلال أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وقبولا وأتم توجها ورجوعا وأكمل تحققا ووصولا في يوم الجزاء وَبعد ما قد نبههم الحق على ما هو الا حق وأوجدهم على فطرة الفطنة والذكاء بمبدئهم ومنشأهم الأصلي لَئِنْ قُلْتَ يا أكمل الرسل تذكيرا لهم وإصلاحا لأحوالهم إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ للحساب والجزاء وتنقيد الأعمال فعليكم اليوم ان تتهيؤا لها وتدخروا لأجلها حتى لا تؤاخذوا ولا تعاقبوا لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا منهم من فرط غفلتهم وقسوتهم بعد ما سمعوا منك قولك هذا إِنْ هذا وما الذي تقول وتفوه هذا الرجل ان وقع وتحقق إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ظاهر سحريته عظيم امره لو وقع إذ احياء الموتى من العظام الرفات لا يتصور الا بالسحر الخارق للعادات فان وقع فهو في غاية الندارة ونهاية الغرابة
وَبعد ما استوجبوا لا سوء العذاب واستحقوا باشد العقاب بكفرهم هذا وانكارهم يوم الجزاء لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ المعد لهم اى إتيانه لحكمة ومصلحة قد استأثرنا بها إِلى أُمَّةٍ اى الى ازمنة وساعات من الأوقات والأحيان مَعْدُودَةٍ قلائل لَيَقُولُنَّ مستهزئين مستسخرين من غاية جهلهم وجحودهم ما يَحْبِسُهُ واى شيء يعوقه ويمنعه عن إتيان ما يدعيه من العذاب ووقوع ما يعد به من الأخذ والبطش أَلا تنبهوا ايها المؤمنون وتذكروا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ العذاب الموعود عليهم لا يخفف عنهم مطلقا بل لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ ساقطا عن ذمتهم أصلا بل حل عليهم حتما وَحاقَ وأحاط بِهِمْ جزاء ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ من العذاب الموعود وقت ما انذرهم الرسول.
ثم قال سبحانه وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ اى من غاية لطفنا وجودنا الى الإنسان المجبول على الكفران والنسيان ونهاية إحساننا معه وتفقدنا لحاله لئن أعطيناه وفضلنا عليه مِنَّا رَحْمَةً ونعمة تسره وتفرج همه ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ ومنعناها عنه لحكمة اظهار قدرتنا الغالبة وبسطتنا الكاملة إِنَّهُ من قلة تصبره وغاية ضعفه وتكسره لَيَؤُسٌ قنوط من فضلنا ورحمتنا كَفُورٌ لما وصل اليه من نعمتنا
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ وأنعمنا عليه نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ أعجزته وأزعجته لَيَقُولَنَّ مفتخرا مباهيا بطرا قد ذَهَبَ السَّيِّئاتُ المؤلمة المحزنة عَنِّي إِنَّهُ من غاية غفلته عن المنعم
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 348